حول مفهوم انعدام الإلتزام الأخلاقي لدی آلبرت بندورا وقراءة حول الخروج منها من منظور إسلامي
مجلة البحث في الدين و الصحّة,
مجلد 9 عدد 3 (2023),
15 آبان 2023,
الصفحة 1-6
تقول نظریة الإدراك الإجتماعي للسایکولوجي آلبرت بندورا التي عُرفت في ما بعد بنظریة المعرفة الإجتماعیة، أنّ القطاع الأعظم من تعلیم الإنسان یتمّ عبر المشاهدة والنمذجة وبناء علی هذا الأساس، تتکون المعاییر الأخلاقیة لدی الأفراد في التعامل مع نفس هذه النماذج الإجتماعیة (1, 2). إذن، یمیل الأفراد نحو التنظیم الذاتي ویسعون لیکون سلوکهم کسلوك أفراد المجتمع ویتجنّبوا مخالفة العاییر الأخلاقیة السائدة في المجتمع لکي لا یجلبوا لأنفسهم الإحتقار واللوم والإدانات الإجتماعیة. لکن شوهدت في بعض الحالات مخالفات وخرق المعاییر السائدة وذلك بعدما یصبح الأفراد في ظروف خاصة تدفعهم نحو خرق المعاییر السائدة من دون إلقاء اللوم علی أنفسهم أو تأنیب النفس. ویصف بندورا هؤلاء الأفراد بأنّهم یفتقرون إلی الإلتزام الأخلاقي والعرفي (3). ففي عملیة صیاغة المفاهیم هذه، یحدد بندورا ثمانیة آلیات یعتمدها الأفراد لمنع تأنیب النفس أو تحاشي إلقاء اللوم علی النفس الناجم عن إختراق المعاییر الإجتماعیة السائدة وهذه الآلیات هي: التبریر الأخلاقي، وتلطیف السلوك المخالف، المقارنة النافعة، وتبادل المسؤولیات، وتقسیم المسؤولیات، وعدم الإعتناء بالنتائج أو تزویرها، ولاأخلاقیة السلوك، وإعیاز اللوم (2, 4-6). یجب الإنتباه إلی أنّ نظریة عدم الإلتزام الأخلاقي لدی آلبرت بندورا لا تعني أبداً تأیید إنعدام الإلتزام الأخلاقي لدیه. وإنما هي نظریة علمیة سایکولوجیة في مجال علم النفس لمعرفة الآلیات الذاتیة والمعرفیة لدی الأفراد في تعاملهم مع المعاییر الأخلاقیة السائدة.
وقد تمّ اعتماد هذه النظریة حول انعدام الإلتزام الأخلاقي بالمعاییر والنماذج الأخلاقیة من قبل بعض الأفراد في المجتمع ودراسة جذور هذه النزعة في المجالات البحثیة المختلفة مثل مراحل نمو الطفل والمراهق، والسلوك السلیم، وعلم الجریمة، وعلم النفس العسکري، وعلم النفس الریاضي، والصحة العامة؛ ولهذا إستخدام معطیات ونتائج هذه الدراسات یمکن أن تساعد الباحثین في مجال الثقافة والسلوك الإجتماعي للوصول إلی نتائج وحلول ناجعة لتحسین سلوك المجتمع (2, 7, 8).
کما نعلم عدم إلتزام الفرد بالمعاییر الأخلاقیة في المجتمع یعرّض الحیاة الأخلاقیة لأخطار وتحدیات کبیرة؛ وهذا أمر لا یمکن تجاهله أو المرور علیه مرور الکرام. ونظراً للتعالیم الإسلامیة العظیمة القادرة علی إنارة طریق الحیاة والتي تؤکد علی إلتزام الفرد بالقیم والسلوك الإجتماعي السلیم، یجب أن نقتبس من قبسها في إنارة طریقنا. ولهذا نری أن من أهم رسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر هي مواجهة السلوك اللاأخلاقي والتعامل غیر السلیم في المجتمع، ومن أهم ضروریات هذا الأمر هو عدم إلتزام الفرد بالقیم الإجتماعیة. بتعبیر آخر، هذه الفریضة الإلهیة یمکن أن تکون إستراتجیة محوریة ورادعاً فردیاً واجتماعیاً صارماً یستطیع إلی جانب التطهیر الذاتي أن تؤدي دوراً محوریاً في تنزیه المجتمع والأفراد من الخروقات الأخلاقیة وتقیّد الفرد بقیود صارمة لإحترام القانون. فتأکید القرآن الکریم والتعالیم الدینیة علی الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر یشیر إلی الأهمیة الکبیرة التي یولیها الإسلام لتنزیه المجتمع والأفراد
وتعزیز الشعور بالمسؤولیة، وحب الخیر، ومکافحة الفساد والذنب في المجتمع برمّته. من جانب آخر، فالثورة الحسینیة الفذّة کما یقول الإمام (ع) نفسه، کانت بسبب إحیاء هذه الفرضیة الدینیة في المجتمع؛ ولهذا تنزیه المجتمع من الذنوب وإحیاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر یمکن أن یکون محوریاً في تطهیر المجتمع من الموبقات والخروقات القانونیة والأخلاقیة (9). في النهایة، نأمل أن تجري دراسات آکادیمیة موسعة في مجال عدم الإلتزام الأخلاقي بالمعاییر الإجتماعیة ویولي صناع القرار إهتماماً کبیراً بهذا الأمر وتجري بحوث موسعة في هذا المجال.